في الطريق إلى كنكوصة/ الحسن ولد محمد الشيخ

 

 في يوم حالم و هادئ من أيام الكادحين غير المؤدلجين لبت زخات المطر نداء الروح .. و غنت عصافير الصباح ترنيمة الحياة و هي تهدهد الأحلام بعيدا عن قفص الأمنيات . 

 عندها نهضت و مشيت أجوب شوارع مدينة كبفة التي تحولت في ليلة ماطرة إلى مستنقعات آسنة تؤكد بأن العمد لا يحسنون غير السباحة في الفراغ والتجديف بالوعود والرسو خارج أسوار "المدينة الفاضلة".

 خرجت من البيت إلى مجلسي الاعتيادي (وكالة كيفة للأنباء) .. و فجأة وجدتني مضطرا للسفر إلى مدينة كنكوصة.

 توجهت إلى محطة النقل، وهناك سمعت من السمسار حديثا مغريا طالما وقعت ضحية التصديق بمثله .

 فكرت و قدرت ثم قررت تجاوز النظام؛  فذلك أكثر فعالية من الانتظار في طابور مدنية يوجهها حديث عهد بالنوق والخراف الرتاع.

  تلقفتني سيارة هيلكس، بها شابان من إخوتنا الفلان في زي تقليدي فاخر .. يستمتعان بسماع أغنية تقليدية  هادئة جميلة .. تبادلنا التحية بلغة هجينة .. هي نتاج تعايش السكان و تداخل المصالح و تشابك الثقافات على أديم هذه الرقعة الطاهرة من دنس اللونيين.

  جلست في المقعد الخلفي، و نظرت في مرآة السيارة كي أراني ألوح بإحدى يدي كما يفعل الرؤساء وهم يودعون المدينة من دون أي أثر تنموي.

  كانت السيارة تلتهم الطريق المكسر التهاما غير آبهة بمطباته و منعرجاته و ما أكثرها ..!

  بدت الأرض تلبس ثوبا أخضر قشيبا .. و كان صوت الضفادع الميمون يكسر جدار الصيف ..  والرعود في غزلها العذري مع الهضاب والسهول .. مع التلال و الوهاد يبشر بميلاد عهد الاكتفاء الذاتي.

 كانت  رائحة الأعشاب الندية بفعل الطل تعاسر النفوذ إلى الأنوف التي أزكمتها الروائح الكريهة المنبعثة من مكبات البلدية على عتبات المدينة.

 لقد ألقت أطنانا من القمامة على الجانب الأيمن من الطريق في غفلة من أمرها و سوء تقدير . إنها مناظر فظيعة تستنطق الأرض في صمت ابلغ من الكلمات؛ و كأنها تنادي .. تصرخ من تحت الركام :
أريد أن أتنفس .. أريد أن أتنفس .. أريد أن أتنفس ...

  مخرت سيارتنا الأرض المبتلة المخضلة في خيلاء المنتصر على الطبيعة و هيهات..!
  كانت السماء ملبدة بغيوم مترعة بالحياة .. و كانت الأعرشة و الأبنية على جنبات الطريق متناثرة في فوضوية البدوي البدوي 
 
 ظهرت "لمسيلة" و كشفت عن بعض محاسنها .. أبانت عن أبهتها و قدسية قدمها و تجذرها في تاريخ المنطقة سياسيا واقتصاديا و ثقافيا؛ فتذكرت طلعة بناهي ولد سيدي الخالدة "لمسيلة" .
ترنمت في نفسي و غرقت في التفكير 
و أنشدت همسا :

لمسيله بعد إلى تميت
تسمعه ماخلكت حيله
لمسيله يعكلي فغنيت
ماه كاع ألا لمسيله
لمسيله من عند اكويبين
للسلطانيه منظر شين
ومن عند السيف الرك الطين
شوفته فالعين اثقيله
سورملي ولل لثنين
إلى تمت فيه حيله
يغير امنين اتشوف العين
كرلل واظهر لعزيله
وخشم ابلكواته وامخيزين
وبلحراث وعظم آتيله
هاذوك اديار اميلمنين
يالدلال وذيك اطويله
ذاك اص هو بل امنين
عادت لمسيله لمسيله

 لاتزال لمسيلة هي هي .. و لاتزال "أميلمنين" على العهد .. و كأني سمعتها تستغيث..! 
 بل و كأني رأيتها بين أعجاز النخل الخاوية والعاجزة عن العطاء في غياب سياسة "التضامن" و "التآزر"  .. رأيتها هنالك مع  فتيات يافعات عند البحيرة في مهمة جلب الماء (ارواية) ، و غير بعيد من ذلك لمحت شبابا في نفس المهمة .. كانوا يلهون .. يعبثون بمياه البحيرة مثلما عبث بها النسيان و الإهمال .. يغرفون تارة من الماء و تارة يسترقون السمع و النظر .. لقد غشيهم الفراغ و "إن النفس لأمارة بالسوء" .

 دخلت المدينة البديعة الواقعة بين تلة شامخة شموخ تطلعات الحالمين بغد أفضل، و بحيرة جميلة هادئة هدوء التنمية على ضفتيها.

 نزلت في السوق .. حملقت إلى المارة كثيرا لعلي أستنطق ما تفيض به قلبوبهم من أمل .. و لكن أبت تجاعبد الوجوه أن تخفي مرارة الإقصاء والحرمان.

 في مدينة كنكوصة الوديعة رأيت شعبا عزيزا لايزال على قارعة الطريق -و الطريق طويل-  يغالب ابتسامة خريفية روضها التهميش على الانسجام و عدم الشرود عن القطيع .. يركض وراء بصيص أمل تشبث به منذ سنتين .

 و رأيت أطفالا يتزحلقون على التلال الذهبية في ألعاب بهلوانية مثلما يتزحلق سياسيونا بين الأحزاب الورقية. 

  أمضيت بضع ساعات هنالك، كانت كافية لأخذ صورة عن مدى التقصير الذي تعانيه هذه المدينة ذات المقدرات التنموية الكبيرة .
فلا البحيرة مستغلة و لا الوسط الطبيعي محمي من عبث الحطابين و القناصين و المنمين، و لا الحكومة تدخلت لصالح السكان الأكثر هشاشة بما ينفعهم في التعليم و الصحة و خفض أسعار المواد الغذائية .

و في طريق العودة استوقفتني رداءة الطريق مرة أخرى رغم حداثة عهدها و كثرة المنعرجات التي لم أجد لها تفسيرا؛ و لكن أدركت أنه :

  حين تكون مسطرة المهندس غير مستقيمة و بوصلة السياسي غير مستقرة و عقلية المجتمع حاضنة لذا وذاك فإن الترهل هو نصيب التنمية، والتردي هو مصير البلد .

جمعة, 20/08/2021 - 20:52

آخر الأخبار

أعلن تيار الوحدة و التنمية الذي يتزعمه المدير العام لميناء خليج الراحة، الوزير السابق الطالب ولد

قال محمد الحسن ولد عبد الرحمن ولد باريك إن طلب تأجيل  الزيارة التي سيؤديها الرئيس محمد ولد الشيخ

قتل المواطن الموريتاني الخمسيني بركيه سيدبي، والذي يعمل في سوق قرية "كنكوم" التابعة لبلدية حاسي ش

تتقدم أسرة أهل لكويري في سورملي  بأحر التعازي القلبية لأسر أهل اعليوه و أهل باريك و أهل باب في وف

يتقدم سيد احمد ولد الهيماني نيابة عن أسرة أهل الهيماني بأحر التعازي القلبية لأسر أهل اعليوه و أهل

هنا كنكوصه مكانا، أما الزمان فلحظة عجز و هول و بكاء، لقد رحل المغوار و أفل نجم ظل ساطعا على مدى ع

تتقدم أسرة أهل خطري ولد عيسى في الطلحايه بأحر التعازي القلبية لأسر أهل اعليوه و أهل باريك و أهل ب

يتقدم صدفي ولد محمد راره و باسم أسرة أهل محمد راره بالتعازي القلبية لأسر أهل اعليوه و أهل باريك و

وصل النائب السابق الشيخ احمد ولد الطالب بوبكر  يوم الاربعاء  إلى منزله في كنكوصه، حيث تراس اجتماع