طالعت في وسائل الاعلام كغيري من الموريتانيين خبر وصول وفد جزائري رفيع المستوى يضم مجموعة من الوزراء ، جاء للدعم و المساندة في هذا الظرف العصيب و الاستثنائي ... ولم يفاجئني الأمر رغم بهجتي العارمة بالخبر .
و عدت قليلا إلى نفسي أسترجع بعض الذكريات ؛
فكان يرن في أذني حديث والدي -رحمه الله- عن الجزائر و شعبها العظيم .. ذلك الشعب الشهم الأبي الذي خبرته دروب البذل و العطاء .. الكريم السخي من دون من أو انتظار مقابل .
حديثه الشيق عن مجاهديها .. عن عبد القادر الجزائري و عبد الحميد بن باديس .. عن ثورتها ضد الاستعمار الفرنسي .. و عن زعماء و شهداء جبهة التحرير .
عن أرضها الطاهرة .. عن اسطيف و عنابة .. و وهران ... عن جبالها و وهادها .. عن كل ساحاتها التي كانت مقبرة للغزاة و كانت أيقونة و رمزا للنضال العالمي ضد الاستعمار و كل أنواع الهيمنة و الإمبريالية.
عن الصلات التي تربطنا بها من دين و نسب و تاريخ و جغرافيا ..
عن مناصرتها لقضايانا و دعمها الدائم لاستقلالنا .
ذلك الدعم الذي تجلى في محطات كثيرة و تجسد في أمور عظيمة نذكر منها لا الحصر :
الدعم اللامحدود للسياسة الاقتصادية لموريتانيا و خصوصا في سنوات الاستقلال الأولى؛ حيث تم تأميم ميفارما بمباركة منها و كان إنشاء عملتنا الوطنية (الأوقية) بضمانها.
و لم تتخلف الجزائر يوما عن مد يد المساعدة و خصوصا في أحلك الظروف ، كسنوات القحط و الجفاف التي عرفتها بلادنا في نهاية ستينيات و سبعينيات القرن الماضي .
و ظلت في كل مناسبة تظهر جاهزية بلاد المليون شهيد لشد عضد بوابة العالم العربي الغربية على افريقيا ..
و اليوم التاسع يونيو ٢٠٢٠ نستقبل وفدا يضم شخصيات سامية أبت رغم الظرف العصيب إلا أن تلتقي بالأحبة في الوطن الثاني أرض المنارة و الرباط .. بلاد شنقيط و وادان؛ واد العلم، و واد النخل الباسقات مشرئبات الأعناق .. الرقيبات على العهد و الوفاء .. المنشدات مع الأخوة في الجزائر :
قسما بالنازلات الماحقات
و الدماء الزكيات الطاهرات
و البنود اللامعات الخافقات
في الجبال الشامخات الشاهقات
نحن ثرنا فحياة أو ممات
و عقدنا العزم أن تحيا الجزائر
فاشهدوا .. فاشهدوا .. فاشهدوا
يحل هذا الوفد بالقلب قبل أن تقلع طائرته من أرض المجاهدين الطاهرة .
و زيارة المجاهدين بشارة خير على هزيمة هذا الوباء الكاسح الذي يتطلب القضاء عليه تضافر كافة الجهود الوطنية والإقليمية و الدولية .
إن مشاركة الجمهورية الإسلامية الموريتانية و الجمهورية الشعبية الديموقراطية الجزائرية في حل المشاكل، و السعي -معا- للأفضل لأمر طبيعي ؛ فعلاقات البلدين و طموحات الشعبين تدفعان القيادتين لما يخدم الوطن ، و يعمل على تنمية المنطقة.
و ليس غريبا أن يسعى البلدان الشقيقان للقضاء على كافة الأمراض و الظواهر و الآثار التي قد تشكل عاملا مساعدا على عرقلة ما يسعيان إليه من تقدم و ازدهار.
وأخيرا
لن اشكر الجزائر الكبيرة على هذه الزيارة النوعية و المساعدات القيمة، فليس من الجميل شكر العظماء على القيام بالواجب اتجاه إخوتهم، لكنني أنتهزها فرصة لأعترف بعجزي عن التعبير عن مدى حبي للجزائر.
فقد تربيت على حب الوطن و حب من يحبه، و كبرت على أن الجزائر كبيرة بشعبها العظيم و نضالها الخالد و بشهدائها الأحياء عندربهم يرزقون.
فلتحيا الجزائر !