الامتحان وصناعة الطاعة: حين يتحول التعليم إلى سلطة/ مكحل عبدالله

مكحل عبدالله

نلاحظت منذ أيام ، كعادة تتكرر كل موسم ، إغلاق بعض الشوارع، وانتشار الأمن أمام أبواب المدارس وتجمهر السكان خلف أسوار المدارس ينتظرون خروج أبنائهم وذويهم. مشهد بات مألوفًا، يتكرر بنفس الإيقاع والوجوه والقلق. لا شيء يبدو عابرًا في هذه اللحظة: كل شيء مشحون بالتوتر، وكأن الامتحانات لا تختبر المعرفة، بل تختبر المصير بأكمله. وهنا بدأت أتساءل: كيف تحوّلت لحظة مدرسية مؤقتة إلى طقس اجتماعي ثقيل، وإلى تجربة وجودية تمسّ الكيان؟ وهذا ما يجعلنا نستعين بتحليلات المفكرين الذين حاولوا تفكيك منطق الامتحانات من حيث كونها أداة ضبط وتطبيع وتشكيل، لا مجرد أداة تقييم معرفي.

تُقدّم الامتحانات نفسها على أنها وسيلة لقياس مستوى التحصيل والمعرفة، لكن حين نُمعن النظر في أثرها العميق على الذات الإنسانية، نكتشف أنها تتجاوز حدود تقييم معلومة أو اختبار قدرة على التحليل لتصبح تجربة وجودية تمسّ الكيان النفسي والرمزي للفرد. فهي لا تكتفي بقياس مدى تذكّرنا لما هو مقرر بل تمارس نوعًا من "الفرز الرمزي"، تُخضع فيه الإنسان لمساطر تصنيف صارمة تُشعره بأنّ إخفاقه في الإجابة على سؤال قد يعني إخفاقًا في أن يكون مقبولًا، محبوبًا أو ذا قيمة.

الامتحان ليس بريئًا، بل هو وسيلة لـ"مراقبة الجسد وتقييم الروح" وهو أشبه بنموذج سجن البانوبتيكون الذي يخضع فيه الفرد لرقابة دائمة غير مرئية مما يدفعه لتعديل سلوكه باستمرار خشية المحاسبة حتى دون وجود رقابة فعلية. وتكمن الفكرة هنا في أن مجرّد إحساس الفرد بأنه تحت المراقبة يجعله يضبط سلوكه بنفسه دون حاجة لتدخل مباشر، وهكذا يتحول النظام التربوي إلى سجن لطيف، حيث يجلس التلميذ في قاعة الامتحان تحت سلطة صامتة لا تراه، لكنه يشعر بثقلها في كل لحظة.

وإذا كانت المدرسة تُطبّق هذه النماذج من التصنيف، فإن الأمر ليس عشوائيًا، بل هو امتداد لنظام اجتماعي-سلطوي قائم على ما يسمى بـ"العقوبة الضابطة"، أي تلك العملية التي تُقاس فيها القدرات البشرية وتُقطّع وفق سلّم تراتبي يحدد "الطبيعي" و"الشاذ" ، "الذكي" و"الغبي"، "المجتهد" و"الكسول". ويتم إنتاج هذه التصنيفات من خلال الامتحانات التي ترسم حدود "النجاح المقبول" وتُلغي كل ما عداه، فتجعل من الخطأ في إجابة واحدة دليلاً على الانحراف، وتحصر الذكاء في إطار ضيق ومؤسسي، لا يعترف إلا بما هو قابل للقياس الكمي.

وهكذا يُختزل الإنسان إلى مجموع نقاط ويتحول جهله بمعلومة عابرة إلى سمة وجودية ملتصقة به. وتحدث هنا عملية ترسيخ خاطئة للهوية، حيث يُجعل من الجهل خطيئة، ومن الفشل في الامتحان سِمة من سمات الذات، لا مجرد لحظة عارضة في مسار تعلمها. فيكبر الطفل على قناعة أنه "فاشل" لا لأنه لم يفهم درسًا بل لأنه لم ينجح في امتحان يُقيسه بمسطرة لا تعترف بتنوع القدرات.

إن الامتحانات وفق هذا التصور ليست مجرد لحظة تقييم، بل آلية تُشكّل الذات الخاضعة وتعيد إنتاج الإنسان المنضبط الذي يرى نفسه دومًا من خلال أعين الآخرين. وبينما يحاول بعض المربّين إصلاح هذه المنظومة من داخلها، فإن السؤال الأهم يبقى: كيف نواجه هذه السلطة الرمزية؟ وكيف نحصّن أبناءنا من اختزالهم في رقم أو درجة؟

وفي ظل هذا كله، يصبح الوعي الفردي بأن الامتحانات لا تُقيّم الذات، بل تقيس فقط المعلومات، هو الحصن الأخير أمام هذا النظام التقييمي السلطوي. على المجتمع أن يعلّم أبناءه أنهم ليسوا درجات على ورقة وأن الخطأ لا يعني العجز وأن الفشل لا يختزلهم. هذا الوعي ليس رفاهية، بل ضرورة لمواجهة تدجين الإنسان وتحويله إلى كائن يتنفس وفق ما تسمح به ورقة الأسئلة.

ثلاثاء, 08/07/2025 - 16:51

آخر الأخبار

في لحظة تتكاثف فيها الأجنحة داخل السلطة وتتناسل التأويلات من كل اتجاه، يبدو المشهد السياسي الموري

《 ..وبشر الصابرين الذين إذا أصابتھم مصيبة قالوا إنا لله وإنا إليه راجعون أولئك عليھم صلوات من ربھ

أعلن صباح اليوم في انواذيبو عن رحيل الأخ الحسين ولد الشمره.

شرف والي لعصابه أحمدو ولد عداهي ولد اخطيره، صباح اليوم، بقاعة الاجتماعات بمباني حهة لعصابه، عل تو

قدمت المندوبية العامة للتضامن الوطني و مكافحة الإقصاء (تآزر)، مساعدة مالية لأسر ضحايا حادثة انهيا

يتقدم كابر و لد عمار الفاروق بأحر التعازي القلبية لأسرة أهل الطالب ولد محمد الامين و خاصة محمدو و

يشارك مفتش مقاطعة كيفه للتعليم الأساسي محمد يحي ولد محمد عبد الله ضمن بعثة من خبراء وزارة التربية