كثيرا ما ينصب اهتمام الرأي العام في موريتانيا إلى الحديث عن المعينين في الإدارة أكثر من اهتمامه بالبرامج التنموية التي تعدها الحكومة، أو بمشاريع القوانين المقترحة للمصادقة، أو بالرخص التي تمنح لبعض المحظوظين من المواطنيين و الأجانب من وقت لآخر .
فبعد كل اجتماع لمجلس الوزراء تغص مواقع التواصل الاجتماعي بنقد كل بعيد و إن كان صائبا، و تبرير كل خطوة و لو كانت خاطئة، و مباركة تعيين كل قريب حتى ولو ثبت فساده .
فيطفو على السطح إبداء الرأي بالمجان، و إسداء النصح لمن يريد أو من لا يريد، و تقديم الدروس للجميع في الأخلاق و المهنية .
و أمام تعيين ذلك القريب تتكشف الحقائق و تتعرى الضمائر؛ فيتضح بجلاء أن ثقافة النخبوي عندنا تدور حول الحمى، و حين يقع الاختيار في حماه ؛ تقع كل المثاليات في وحل الآل و الرحم الموغل في الرجعية الصماء .
و تبرز في الجانب الآخر دعوات غير بريئة إلى محاصصة ينطق دعاتها بما يعكر صفو السكينة و الأمان.. محاصصة تقوم على العرق و اللون و الشريحة .. وهي أركان هشة هشاشة مجتمع ينخر جسمه المرض و الجهل و الفقر .
محاصصة يمكن اعتبارها تقسيم تركة الدولة الوطنية التي تم وأدها قبل فطامها بعامين .
لقد جاءت هذه الوضعية المزرية نتيجة سوء تسيير الحكومات المتعاقبة، و فساد الإدارة الراكدة، و غياب الحكامة الرشيدة .
و الحكومة الحالية تدفع الثمن غاليا في وقت عصيب، يقع بين إرث الماضي الثقيل و نار كورونا الماحقة و حضور الدولة العميقة بقوة في المفاصل ؛ حيث تتحرك أذرعها في كل اتجاه أريد له الإصلاح؛ فتفسد المحاولة و تقمع الطموح .
ولو تولى الأمور الصالحون الأمناء .. الأتقياء في العمل .. الأنقياء من الفساد ؛ لتحسنت الأوضاع و خفت صوت دعاة الإرباك و التشكيك .
إن أولئك المصلحين موجودون في كل "شرائح" الموظفين.
فبعض من صغار الموظفين اضطرته الظروف لاختيار ما لا يتناسب مع شهاداتهم العليا و تخصصاتهم الأساسية .
وهم بذلك مظلومون لعدم توفير فرص تناسب تخصصاتهم كما أن الدولة مظلومة بعدم الاستفادة من كفاءاتهم .
هنا يكون من الجيد أن تنشئ الدولة بنكا للمعلومات يشمل كافة الموظفين و مؤهلاتهم و مساراتهم و تاريخهم المهني بغض النظر عن الواجهة اللونية أو الخلفية الاجتماعية .
فمن غير الطبيعي أن تستمر الحكومة في تدوير المناصب بين ثلة قليلة من الإداريين الفاسدين الذين يبدلون جلودهم في اليوم مرتين .
وليس من المنطقي أن يسير رواد الفيسبوك الإدارة الموريتانية الحالية أو اللاحقة، و إن كان تجاوبها معهم في بعض المقترحات يعد أمرا إيجابيا؛ إلا أنه من أجل إصلاح حقيقي لابد من حجز مراكز القيادة لمن عرفوا بالاستقامة و المهنية و عدم السكوت على الفساد ، لا بحجزها لفاقدي الكفاءة و الأهلية ممن يسيرون قطاعاتهم انطلاقا من الزبونية و المحسوبية والنظر إلى الخلفية الاجتماعية و امتهان المحاصصة الصامتة .. فذلك سيدفع بالأبناء الشرعيين للإدارة (الموظفين) إلى الإحباط و بذل الجهد في التقرب إلى المفسدين بدل الجد و المثابرة، كما قد يؤدي بهم إلى الجهر بقول ثقيل .