زوال يوم رمضاني غائظ و حين كنت أتقلب على فراش التعب من وقع العطش، تحت عريش مهترئ على كثيب كنكوصه، رن الهاتف فجأة، و دون أية مقدمات بادرني المتصل "هل أنت فلان" أجبته "نعم".
أردف قائلا : ديوان الرئيس يدعوكم لإفطار في القصر بعد غد، و دون البحث عن مزيد تفاصيل، بدأت فورا في تنسيق السفر و جمع و إعارة الأغراض.
بدأت الرحلة فجر اليوم الموالي و رغم صعوبة الطريق في بعض مقاطعها فقد مرت ساعات الرحلة سريعة و كنت خلالها مشغولا بالتفكير في أهداف الحدث و فحوى إجابات مرتجلة و مقتضبة في حال أتيحت فرصة اللقاء على انفراد.
و جاءت لحظة العمر و بعد تجاوز جملة إجراءات بروتوكولية، دلفت باب القصر قبيل أذان المغرب و أمضيت دقائق الانتظار مشدوها في وفرة و تنوع المأكول و المشروب مما لم تكتحل به أعين أمثالي من غالبية الشعب الفقير.
ثم تقرر اللقاء ... فكان الرئيس ودودا منصتا رغم ما انتابني من رهبة الموقف فبادرني "كيف أحوال أهل كنكوصه"..
حينها شعرت بالفخر و الانتماء لأني سأسرد -دون وسيط- أبرز أوجه معاناة أعيش تفاصيلها الدقيقة.
وبنشوة أجبته :
سيدي الرئيس أحوالنا تسوء الصديق، غياب للجسر رغم الوعود ، و ندرة في المياه و انقطاع للكهرباء و ارتفاع - غير مسبوق - في الأسعار، و هشاشة واضحة في الصحة و نقص في التعليم....
ثم غلبتني عبرة، قبل أن يخاطبني أكمل، ألهذا الحد وصل الأمر...
أجبته بل أكثر من ذلك سيدي الرئيس! فمشهد مئات النسوة يزدحمن أمام مبنى المقاطعة طمعا في حصة من "أسماك رمضان" أو سلة من "إفطار الكويت" قبل أن تعود أغلبهن مساء بخفي حنين، ليلوذوا بحبات تمر و قطرات ماء مالح هو كل زادهن في رمضان، يقطع نياط القلوب.
استشاط الرئيس غضبا و هذا أيضا، قلت بل أكثر، فسد آكمامين و مركز الصيد القاري و طريق كنكوصه سيلبابي و المزرعة النموذجية كلها مشاريع متعثرة و تحتاج تدخلا منكم و ضغطا كبيرين...
أجابني الرئيس كل ذلك سيكون و ستنتهي المعاناة في غضون ...... و قبل أن يكمل انقطع الكهرباء عن الحي فاستيقظت و انقطع الحلم الجميل.
محمد ولد زروق