يصيح "العربي" ولما يكمله ربيعه الأول كل صباح بحي الوادي غربي قرية هامد من وقع العطش، فتنهد أعماق قلبه أمه المكلومة الساهرة على بئر القرية -أو قل متنفسها - تكابد للحصول على ما تطفئ به رمقه "المميت".
ثم يتردد الصدى في كل بيت من القرية الرابطة -بهدوء أسطوري- على ثغر بالبوابة الجنوبية الشرقية لموريتانيا بعدما غزاها العطش و استحال العيش فيها إلى جحيم.
لن يجد الزائر لقرية هامد، كبير عناء بحث عن مظهر يثبت المأساة، فطوابير الحاويات أمام الحنفيات المخنوقة، و جلبة النساء على فوهات الآبار لن تترك ل"المتقولين" بغير العطش مندوحة، أما حديث الناس الذي تمنعه وسائل الإعلام الرسمية -من حقه في الظهور- فيطير العقول.
الأزمة في هامد -بحسب بعض الاستقراء- لم تكن بتقصير في البحث عن مصدر للماء و هو المتوفر على حفر بسعة تفوق 150 متر مكعب للساعة، كما لم تكن في آليات الاستخراج و التوصيل في إطار مشروع كان يمكن أن يكون قوميا ممولا من دولة الكويث و يمر بعشرات القرى.
لكن الأزمة بحسب السكان بدأت حين تسلمت الدولة أو نن يمثلها المشروع فأصبحت معضلة التوزيع كارثة ، و أضحت مهمة الصيانة ألعوبة بأيدي من "يأمنون العقاب".
لم تجد توسلات السكان و لا ضغطهم على السلطات و لم تنغع تعهدات الساسة من كل الأحلاف و التشكيلات -حتى الآن - في إسكان صوت "العربي" الذي يقترب كل يةم من حافة القبر -عطشا- في فضيحة يتحملها الجميع رغم كل التبرير و الوعد و التكذيب.