كانَ صاحبنا-قبل الإنتخابات-يعيشُ في بلدةٍ منكوبَةٍ معزولةٍ تفتقرُ في شتى الأزمنة لأولويات العيشة الكريمة،يندى الجبينُ لحالِ أهلها..
و تتعففُ الأعين عن منظرها...
أسعارٌ غالية و مياه منعدمة و أضواء رديئة...
لا يسكنها سوى أهلها الذين أرغمتهم الظروف على المعيشةِ الضنكا..
و بعد أن مكثَ صاحبنا في هذه البلدة و ذاق مرارة الحياة..
قرر بعد تفكيرٍ طويلٍ في موضوع الهجرَة..
كانت الهجرة الداخلية هي الأقرب إليه،لكنه اطلعَ بعد التفكير على حالِ المُدن و الحواضِر في بلده ولم تكن عوامل الهجرة فيهم محفزة بل كان مستوى الهجرة عندهم مرتفعٌ إلى حدٍ كبير..
و لم يبق أمامه سوى خيار واحِد! ألا و هو الهجرة الخارجية
فقرر بعد هذا كله،الرحيل..
باحثاً عن بقعة من هذه الأرض يطيبُ المقامُ فيها..
رحَل المسكين-عَينُ فِگفاه-عن ساكنة في حالة يرثى لها!!
مكثَ-بعد رحلةٍ شاقة-كأجنبي في مجهره.
عاشَ كأجنبي بحالٍ يفوقُ حاله كمواطن في بلده،عاشَ في ظروفٍ صحية مناسبة و ظروف أمنية ملائمة...
و بعد أن طاب له المقامُ هناك،طرَقت عليه الغربة باب النوم لأولِ مرةٍ-بعد سنين من تغربه-و عادت به إلى الوراء قليلاً،و بدء يتذكر الماضي شيئاً فشيئاً..
و قرر المسكين-بعد صراعٍ طويلٍ مع الغربة و أهوالها-العودة إلى الديار..
و عادَ-بيه النَگدَة-إلى بلدته المعزولة..
لكنه جاء إلى البلدة في زمن الإنتخابات فإذا بها مكتظة من الأوجه الغريبَة،شوارعها مزدحمَة تكادُ تتدَفقُ من أنواعِ السيارات الفارهَة..
فوقف المسكين في حيرةٍ من أمره!!يخاطبُ نفسه،يستفسرها،هل هذه هي بلدتي أم لا؟
أم أني أضعتُ الطريق الصحيح؟أم أن هذه الأجواء من علامات الساعة؟أم ماذا؟..
فلم يكن جوابُ النفسِ له مقنعاً،فبادرَ باستفسارِ القوم..
فإذا بجُلهم لا يعرف البلدة و لا يملكُ خبراً عن حالِ أعلامها!!
بل جاء كل منهم-حسبَ قوله-ضمن الوفد الكريم الذي يجهله صاحبنا كما يجهلُ هو أعلام بلدته..
لم يجِد-في اليومِ الأول-من يستفسره عن حالِ البلدة..
لكنه كانَ متأكِداً أن هذه هيَ بلدته المعزولة من دونِ أدنى شك..
لكن الأجواء قد تَغيرت و الناسُ-ربما-هاجروا إلى ما لا علم له به!!..
مكثَ فيها أيام دون أن يجدَ من يذكره بأهلها أو يزوده-ولو بنبذة-بأخبارهم..
أدركَ بعد ذلك أنه يبحث عن المحالِ، ثم فرضت عليه الظروف معايشة القوم الجدد و الأجواء الغريبَة،و لسانُ حاله يقول:
و عدتٌ إلى الديارِ ولم أجدهم
كأني بَينَ أحبابي غريبُ
لَقَد رحلوا و في الأعماقِ منهم
جروحاً لا يُداويها طبيبُ..
و بعد أيامٍ طويلةٍ من مجيئه،انتهت الحملة و بدأت الإنتخابات و جاءت عملية الإفراز بعد ذلك،و فازَ حزب الحاكم بالتزوير حسب ما سمع-صاحبنا-من الأخبارِ عند إمام المسجد الذي كان مناصراً لزميله الذي ترشح تحتَ شعار غامٍض و بأحوالٍ لا يفهمها إلا من كانَ منهم و إليهم..
لكن صاحبنا لم يعطي للأمرِ أهمية لأنه لا يحبُ السياسة و ليسَ مهتماً بها رغمَ أنه يعيشُ بينَ قومٍ يهتمونَ بها بالفطرة و يمارسونها تلقائياً..
بدأت الأجواء تعودُ ألى حالها بدأت العربات تحل مكان السيارات بدأت الأوجه الغريبة تختفي بدأت الإجتماعات تندثِر..
بدأت الأمور تعودُ إلى حالها..
عاد السكان الأصليون إلى ما كانوا عليه، و عادت البلدة إلى حالها..
و عادت حليمة-بعد الإنتخابات بثلاثة أيام-إلى عادتها القديمة..
و تبين لصاحبنا فيما بعد أن البلدة المعزولة-آنذاك-ما زالت-و للأسف-على نفسِ الحالة..
لكنها تغيرت في فترةٍ وجيرةٍ-قبلَ أن تعودَ فيما بعد إلى حالتها الأولى..
و تلكَ الفترة الوجيزة هي نصيب البلدة المعزولة من أبناءها المتثاقفين و السياسيين..
احمد مندح بلاهي