خرجت موريتانيا من إقليم وادي الذهب بعد انقلاب العاشر يوليو 1978م و منذ ذلك التاريخ اتخذت موقفا ثابتا من القضية الصحراوية، يتمثل في الحياد الايجابي
بين أطراف النزاع في المنطقة (المملكة المغربية و جبهة البوليساريو) .. الحياد الذي يسعى أصحابه إلى حل المشاكل و تقريب وجهات النظر .
ذلك الموقف الذي لم يتغير أبدا بتغير الرؤساء السريع -أحيانا- لأنهم جميعا كانوا يعلمون أن المصلحة تقتضيه، و ربما أطراف النزاع تراه خيرا .
اليوم ومنذ عدة أسابيع نسمع طبول الحرب تقرع على حدودنا الشمالية على مقربة من عاصمتنا الاقتصادية مدينة انواذيب ، و التوتر سيد الموقف هنالك؛ بسبب إغلاق تام لمعبر حيوي يهمنا مثلما يهم المغرب و بعض بلدان غرب إفريقيا .
و في المقابل نرى تصامما افريقيا و امميا حيال الوضع المتأزم .. نرى ذلك و نحن نكرر سيمفونية سيئة التلحين و الإخراج "أننا على الحياد بين الأطراف" !
ليس الحياد بمتابعة أخبار الأشقاء على وسائل الإعلام، و هم على شفا حرب لا خلاص منها إلا بأثمان بشرية و مادية باهظة ..
إن الحياد الايجابي يقتضي منا أن نتحرك على جميع الأصعدة و في جميع الاتجاهات من أجل راب الصدع بين الأخوة و مساعدتهم على ضبط النفس و تغليب المنطق و العقل على العاطفة و الحماس الزائد .
كان على ديبلوماسيتنا أن تلعب ذلك الدور باكرا دون سأم، و أن تنشط في سبيل إنهاء الأزمة قبل أن تستفحل وتصل حد إطلاق النار .
كان من اللائق أن يقوم السيد الرئيس محمد ولد الشيخ الغزواني بزيارة لكل من المغرب و الجزائر و الاستماع إلى الأطراف بل وحتى بزيارة تونس و اسبانيا و العمل على صناعة حل تشترك في صياغته الأطراف المغاربية و الدولية حتى لا تنزلق الأمور إلى منزلق تصعب معه العودة إلى بر الأمان دون خسائر .
أو على الأقل كان على وزير خارجيتنا السيد اسماعيل ولد الشيخ أحمد أن يتحرك في الموضوع و هو من له دراية بقضايا التفاوض، و حل فتيل الأزمات المعقدة لتجربته الطويلة كمبعوث للأمم المتحدة في مناطق عديدة تشهد توترا .
الآن و قد فتح النزاع على مصراعيه -و أمام حيادنا السلبي- فإن الأزمة سترمي بظلالها الثقيلة على المنطقة ككل، و ستزيد في الشرخ القائم بين الشقيقتين المغرب و الجزائر ...
و ها هي خلال يوم واحد قسمت الرأي العام الموريتاني إلى اصطفافين يتراشقان بالسباب و الشتائم انتصارا للمغرب أو لجبهة البوليساريو ... فماذا عنها لو تطول ؟
و ماذا سيكون لو تم إغلاق معبر الكركرات مجددا ؟
أو اضطر الجيش الموريتاني- لا قدر الله - إلى المواجهة دفاعا عن الحوزة الترابية أو عن النفس لسبب ما ؟
لايزال الأمر متداركا؛ فالهروب من الكلام و التخفي خلف يافطة الحياد لم يعد يجدي نفعا بل التحرك الديبلوماسي المكثف و دعوة الأطراف إلى الحوار و التفاوض على أرض المنارة والرباط هو الموقف السليم الذي يقتضيه الواجب الديني و الأخوي و الأخلاقي .
نتذكر الأيام و الأسابيع الاولى للأزمة الخليجية بين قطر و كل من السعودية و الإمارت و البحرين .. نتذكر الحركة النشطة التي قام بها أمير دولة الكويت الشيخ صباح رحمه الله و مسعاه النبيل في حلحلة المشاكل و خفض نسبة التوتر .
ذلك هو الحياد الايجابي أما غيره فهو حياد سلبي ضرره أكبر من نفعه .
حفظ الله موريتانيا و وفق الأطراف المتنازعة إلى
حل الأمور العالقة بما يرضي الجميع ،بعيدا من فوهات المدافع و عن أصوات الرصاص؛ فالحرب لا منتصر فيها .
الحسن ولد محمد الشيخ